أستراليا ترفع صوتها بشأن التبت وسط تحذيرات أممية.. حقوق الإنسان أم سيادة الدولة؟
أستراليا ترفع صوتها بشأن التبت وسط تحذيرات أممية.. حقوق الإنسان أم سيادة الدولة؟
أبدت أستراليا خلال الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مخاوفها من استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في التبت، وعبّرت صراحة عن قلقها بشأن تدخل السلطات الصينية في عملية اختيار خليفة دالاي لاما، وشدد الممثل الدائم لأستراليا لدى الأمم المتحدة في جنيف في الكلمة على أن اختيار القادة الدينيين شأن ديني وثقافي لا يحق لأي حكومة أن تتدخّل فيه.
هذه المداخلة جاءت في سياق تصاعد الاهتمام الدولي بخلافة الزعيم الروحي، إذ باتت محور مواجهة بين التقاليد التبتية وادعاءات سيطرة بكين وفق موقع "Central Tibetan Administration".
إعلان الزعيم الروحي
التوتر الحالي ليس مفاجئاً؛ فالخلاف وصل إلى ذروته بعد تصريحات مفهومة للدالاي لاما بأنه سيُعرّف عن مكان ولادة خليفته خارج حدود الصين، في موقف اعتُبر تحدياً لإجراءات بكين التي سبق أن سنّت قواعد للتحكّم في مسألة التقمّص الديني، وهذه التطورات أعادت إلى الواجهة مأزقًا تاريخياً يعود إلى سياسات بكين التنظيمية فيما تسمّى "إدارة إعادة تجسّد البوذيين الأحياء" التي وُثّقت في تدابير صادرة منذ 2007 وتمّ تنفيذها بصفتها آلية رسمية للسيطرة على اختيار القادة الدينيين، وقد أثارت تصريحات الدالاي لاما وخطورة محاولة الدولة أن تختار خليفةً شبيهًا بها ردود فعل خبراء أمميين ومنظمات حقوقية.
المشهد القانوني والحقوقي الدولي
الاعتراضات التي وجهتها أستراليا أمام المجلس تلتقي مع تحرّكات خبراء أمميين ومنظمات حقوقية دولية دعت بكين إلى كفّ التدخّل في شؤون الدين والتقليد الديني التبتي، وأصدرت مجموعة من مقررّي الأمم المتحدة وخبرائها بيانات قوية تندّد بأي محاولة للدولة لتعيين خليفة على نحو يخرج عن الإرادة الدينية والتقليدية للمجتمع التبتي، كما طالبوا بكشف مصير الطفل الذي اختارته السلطات في حالة سابقة -(قضية البانشن لاما Gedhun Choekyi Nyima)- وبتوفير معلومات عن مصيره، وهذه المواقف تستند إلى التزامات عامة بحقوق الحرية الدينية والثقافية الواردة في المواثيق الدولية، وإلى مبدأ عدم التدخّل في حريات الاعتقاد وفق موقع “Tibet Watch”.
أسباب التحرك الأسترالي
يمكن قراءة موقف أستراليا في مقامين متوازنين: الأول إنساني ومبدئي يتعلق بحرمة الحق في حرية الدين والمعتقد وحرمة الممارسات الروحية والتقليدية لأقلية شعبية، والثاني سياسي واستراتيجي مرتبط بتنامي الانشغالات الدولية بسجلّ حقوق الإنسان في الصين وبسلوك بكين إزاء الأقليات، واستند الموقف الأسترالي كذلك إلى نشاط برلماني داخلي ومبادرات تضامن نظمتها مؤسسات المجتمع المدني في كانبرا، ما أسهم في رفع الصوت الرسمي إلى مستوى القاعة الدولية.
أبعاد الانتهاكات في التبت وآثارها الإنسانية
تقارير حكومات ومنظمات حقوقية مستقلة توثّق نمطًا من التضييق على التبتيين يشمل اعتقالات مرتبطة بملف الاتصال عبر الهاتف والإنترنت، وقيوداً صارمة على الممارسة الدينية، وحملات تثقيفية تهدف إلى انسلاخ الشباب عن هويتهم، وعمليات إخلاء قسري وبناء مشاريع بنيوية تُغيّر التركيبة السكانية والثقافية، وهذه الممارسات تتراكم لتُنتج أثراً إنسانياً مزدوجاً: تآكل قدرات المجتمع التبتي على المحافظة على تراثه وطقوسه، وخلق حالة خوف تمتد إلى الشتات التبتي في الخارج حيث تتعرض مجتمعات المهجر لضغط وترهيب، وتوضح البيانات الرسمية والخبرة الميدانية أن السكان في إقليم التبت يواجهون قيوداً متواصلة على الحريات الأساسية تؤثر في حقهم في التعبير والتنقل والممارسة الدينية.
قضية الاختفاء القسري وسجلّ الشواهد
قضية اختفاء الطفل المعروف باسم البانشن لاما في 1995 ما زالت بارزة في النقاش الحقوقي؛ فقد دعا خبراء أمميون بكين إلى تقديم معلومات فورية ومفصّلة عن مصيره، هذه القضية تمثل رمزاً لسياسات القمع التي يصعب تجاوزها دون مساءلة حقيقية، وتُذكر كيف أن تدخل الدولة في شؤون اختيار الرموز الدينية يمكن أن يترافق مع انتهاكات خطيرة للحريات الأساسية والضمانات القضائية.
ردود الفعل الدولية والمنظمات الحقوقية
المنظمات الحقوقية الدولية، مثل العفو الدولية ومنظمات التبت المدافعة عن الحقوق، استنكرت أي محاولة لتحويل عملية الاختيار إلى آلية خاضعة لسلطة الدولة، ودعت المجتمع الدولي إلى حماية القداسات الدينية والحقوق الثقافية للتبت، كما أصدر خبراء الأمم المتحدة بيانات تحذيرية قبل انعقاد مجلس حقوق الإنسان، ما عزز الشرعية القانونية والسياسية للتحرّك الأسترالي في جنيف. وفي المقابل، وصفت بكين أي انتقاد بأنه تدخل في شؤونها الداخلية وتردّ بإجراءات دبلوماسية أو إشارة إلى سيادة الدولة.
التداعيات على النظام الدولي وسبل الردّ
المعركة الدائرة لا تقتصر على ملحمة دينية محلية؛ بل تختبر أيضاً قدرة المجتمع الدولي على الحفاظ على معايير الحريات الدينية والثقافية في مواجهة سياسات داخلية تعدها دولاً سيادية. على المستوى العملي، دعا مراقبون إلى خطوات تشمل توثيقاً أوسع من آليات الأمم المتحدة، ودعوة الصين للرد على ملاحظات خبراء الحقوق، والعمل الدبلوماسي متعدد الأطراف لحماية حرمة الممارسات الدينية، كما طرحت منظمات حقوقية مقترحات لإتاحة وصول أممي مستقل ومراقبة مستمرة لوضع الحريات الدينية في التبت.
توازن بين مبدأ السيادة وواجب الحماية
تحرك أستراليا أمام مجلس حقوق الإنسان في الدورة الستين يضع أمام المجتمع الدولي سؤالاً جوهرياً كيف نحترم سيادة الدول في الوقت نفسه الذي نمنع فيه تدخلها في حق شعوبها في ممارسة دياناتها وثقافاتها؟ النزاع على اختيار خليفة الدالاي لاما يتجاوز بُعده الطقوسي ليصبح مؤشراً على صراع أوسع حول تعريف الحرية الدينية والملكية الثقافية وسبل حمايتها، بالنسبة لملايين التبتيين ولأوساط إنسانية وقانونية عالمية، الأمر لا يقف عند خطاب دبلوماسي، إنه اختبار لفاعلية المعاهدات والآليات الدولية في حماية حقوق مجتمعات مهدّدة.